لتحتل بذلك منطقة يصل عرضها 110 كيلو متراً وبعمق يصل لـ 30 كيلو متراً داخل الأراضي السورية، في ثالث هجماتها البرية التي نفذتها تركيا، كان الأول بداية من جرابلس وإعزاز والباب في آب عام 2016، ثم عفرين عام 2018.
الاحتلال، جاء إثر صفقة سياسية جديدة بين ثلاثي الصفقات ضمن مسار أستانا (روسيا – تركيا – إيران)، لتدخل محطة جديدة ضمن سلسلة من التوافقات التي استخدمتها تركيا لتوسيع احتلالها للأراضي السورية بدءاً من عفرين إلى تل أبيض/ كري سبي وسري كانيه.
وعملت لتكريس هذا الاحتلال على تهجير السكان الأصليين بعد ممارسة ما وصفتها عموم التقارير الدولية بجرائم الحرب والقتل المتعمد.
ذرائع واهية للاحتلال.. قسد تتجاوب وتركيا "دولة مارقة"
مع هزيمة مرتزقة داعش جغرافياً من قبل قوات سوريا الديمقراطية في آذار عام 2019، تزايد غضب تركيا كونها وبتوثيق من قبل تقارير دولية عديدة ساعدت على نمو قوة داعش في سوريا؛ بهدف استغلال ذلك والعمل فيما بعد على احتلال هذه الأراضي، صعّدت تركيا من تحركاتها تحت ذرائع وحجج واهية وهي حماية حدودها، وهذا ما يتناقض مع الوقائع على الأرض حيث لم تتحرك تركيا خلال وجود داعش على طول الحدود التركية.
وبالعودة إلى التاريخ، وفي مثال على أطماع تركيا القديمة، تعرضت مدينة سري كانيه في العام الثاني من الأزمة السورية عام 2012 لمحاولة احتلال أقدمت عليها تركيا عبر مرتزقتها “جبهة النصرة”. إلا أن المقاومة التي أبدتها وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة أفشلت ذاك المخطط.
ومن تاريخه ظلت هذه المدينة هدفاً لهجمات الاحتلال التركي طوال تلك الفترة حتى عام 2019.
ولنزع حجج الاحتلال التركي ومنعه من شن هجمات على المنطقة، تجاوبت قوات سوريا الديمقراطية مع مساعي التهدئة إثر مباحثات جرت بين الولايات المتحدة الأميركية وتركيا من جهة، وبين قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي من جهة أخرى.
وفي الـ 7 من آب عام 2019 أعلن عن التوصل إلى اتفاق، نص على تشكيل "منطقة آمنة" وغرفة عمليات مشتركة بين الطرفين (تركيا والولايات المتحدة الأمريكية)، وبدأ تسيير دوريات أميركية – تركية مشتركة بعمق يصل من 5 إلى 9 كلم، وقامت قوات سوريا الديمقراطية بسحب جميع قواتها العسكرية والأسلحة، وقامت بردم الخنادق والسواتر الترابية وإزالة الحواجز العسكرية بإشراف من القوات الأميركية لتبديد المخاوف المزعومة التي تحدثت عنها تركيا.
وعلى الرغم من ذلك، فإن القرار الأميركي خلال فترة تولي الرئيس السابق دونالد ترامب الحكم بالانسحاب من الأراضي السورية، عقب صفقة مع تركيا، شكل فرصة للأخيرة لإكمال مطامعها في سوريا. وقد خرقت تركيا ما تم الاتفاق عليه وشنّت هجوماً على مدينتي سري كانيه وتل أبيض/كري سبي. وهذا ما أحدث ردة فعل منددة من قبل العديد من الأوساط العسكرية والسياسية داخل الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية واتهموا الرئيس الأميركي آنذاك بالتخلي عن التزامات واشنطن بدعم الشركاء ضد محاربة مرتزقة داعش في المنطقة.
مقاومة بطولية وحّدت الشعوب
ومع بدء الهجوم أعلنت قوات سوريا الديمقراطية استعدادها لمجابهة هجمات جيش الاحتلال التركي ومرتزقته، والدفاع عن مناطقها في إقليم شمال وشرق سوريا تحت اسم "مقاومة الكرامة"، وتمكنت من منع المهاجمين من دخول المدينتين على مدار 10 أيام قبل أن تُحتل في الـ 19 من الشهر ذاته، على الرغم من استخدام الطائرات والصواريخ انتهاءً بالأسلحة المحرمة دولياً.
ولاستمرار المقاومة، ونتيجة الضغط الشعبي الكبير في إقليم شمال وشرق سوريا، وكذلك من قبل المجتمع الدولي في الخارج على الرأي العام، أجبرت كل من تركيا وروسيا وأمريكا بالاكتفاء باحتلال الأولى للمدينتين وأجزاء من أريافها.
وللتغطية على صفقتها على حساب السوريين، لجأت كل من روسيا والولايات المتحدة إلى التحرك، إذ قالت أميركا أنها اتفقت مع تركيا على هدنة لوقف إطلاق النار، وتلاها زيارة أردوغان إلى روسيا ولقاؤه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الـ 22 من الشهر ذاته، تبعها تفاهم بين قوات سوريا الديمقراطية والقوات الروسية نص على تسيير دوريات روسية في المناطق الفاصلة بين جيش الاحتلال التركي ومناطق الإدارة الذاتية، وانتشار الشرطة العسكرية الروسية في إقليم شمال وشرق سوريا، ونشر حرس حدود قوات حكومة دمشق في المناطق تلك.
وعلى الرغم من ذلك، لم تتوقف مساعي دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها لاحتلال مناطق في إقليم شمال وشرق سوريا حتى اللحظة، حيث تستمر في هجماتها على مناطق مختلفة من الإقليم، براً وجواً، آخرها اللجوء إلى أسلوب محاربة أهالي الإقليم باستهداف بنية المنطقة التحتية عبر طائراتها الحربية والمسيّرة، وكذلك عبر مسيّراتها لاستهداف شخصيات اعتبارية ريادية.
ومع احتلال المدينتين، بدأ الاحتلال التركي في تغيير هويتهما وثقافتهما من خلال إحداث تغيير ديمغرافي في تركيبة السكان، بعد أن تم تهجير أهلها وتوطين أسر مرتزقتها، وفي مقدمتهم داعش، وتتريك المنطقة عبر فرض مناهج السلطات التركية والتعامل بالعملة التركية.
وتسّببت هجمات وجرائم الاحتلال التركي في سريه كانيه وكري سبي، بتهجير أكثر من 300 ألف مدنيّ من أهالي المنطقة، وتوطين أسر المرتزقة والعراقيين والأفغان والتركمان فيها بدلًا منهم.
وبحسب إحصائيات الإدارة الذاتية، فإن ما يقارب الـ 100 ألف مدني هُجّروا من كري سبي وريفها، ويقطن 6031 مهجر داخل مخيم مهجري كري سبي الذي أنشئ في الـ 22 من شهر تشرين الثاني 2019 في بلدة تل السمن شمال مدينة الرقة، وتوزع بقية المهجرين في الرقة والطبقة وكوباني.
وتوزع مهجرو سري كانيه في مخيم واشو كاني الذي أنشئ في 2019، والذي يضم 14714 فردا و2373 أسرة، وبعد تزايد عدد المهجرين فتحت الإدارة الذاتية مخيما اخر لمهجري سري كانيه الذين كانوا يتواجدون في مراكز الايواء بمدينة الحسكة، والذي يضم 14073 مهجرا، و2815 أسرة.
وينتشر المهجرون على هذا النحو 1150 فردا، 230 أسرة في الدرباسية، و4500 فردا و900 اسرة في تل تمر، 2000 فرد و400 أسرة توزعوا في زركان، وتوزعت 1600 اسرة في أحياء مدينة الحسكة و6590 فردا، بينما توزع 9174 فردا في العريشة.
وفي قامشلو: 694 أسرة و3470 فردا في مركز مدينة قامشلو، وتوزع 323 أسرة و161 فردا في مدينة كركي لكي، و310 اسرة و 1550 فردا في مدينة عامودا، و30 اسرة و 150 فردا في مدينة تل حميس، و193 اسرة و 965 فردا في مدينة تربه سبيه، و 14 اسره و70 فردا في مدينة تل براك، و 115أسرة و575 فردا في مدينة جل آغا، و في مدينة ديرك 866 اسرة و 4330.
إلى جانب ذلك قام الاحتلال التركي ومرتزقته بإخلاء وتهجير أهالي 15 قرية إيزيدية في سري كانيه ومحيطها والاستيلاء على 65 منزلًا وجميع أملاك الإيزيديين، وتدمير 80 منزلًا في قرى الداودية وخربة جمو، وبناء ثكنات عسكرية مكان تلك المنازل، بالإضافة إلى نبش قبور الإيزيديين وإخراج الرفات منها.
كما قام الاحتلال بتوطين في الأيام الأولى فقط ما بعد الاحتلال 400 شخص من عناصر مرتزقة داعش العراقيين في سري كانيه وكري سبي، ونقل 1400 مرتزق سوري وأسرهم من إدلب إلى المنطقة، واختطاف 78 شخصًا بتهمة العمل في مؤسسات الإدارة الذاتية.
غداً: ملف عن واقع المدينتين ورصد الجرائم المستمرة من قبل الاحتلال التركي ومرتزقتها.